فصل: تفسير الآيات (27- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (12- 15):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)}

.شرح الكلمات:

{ولقد آتينا لقمان الحكمة}: أي أعطينا لقمان القاضي: أي الفقه في الدين والعقل والإِصابة في الأمور.
{أن اشكر لله}: أي اشكر لله ما أنعم به عليك بطاعته وذكره.
{لابنه وهو يعظه}: أي ابنه ثاران وهو يعظه أي يأمره وينهاه مرغَّباً له مرهباً.
{ووصينا الإِنسان}: أي عهدنا إليه ببرهما وهو كف الأذى عنهما والإِحسان إليهما وطاعتهما في المعروف.
{وهناً على وهن}: أي ضعفاً على ضعف وشدة على شدة وهي الحمل والولادة والإِرضاع.
{وفصاله في عامين}: أي مدة رضاعه تنتهي في عامين، وبذلك يفصل عن الرضاع.
{وإن جاهداك}: أي بذلا جهدهما في حملك على الشرك.
{وصاحبهما في الدنيا معروفا}: أي واصحبهما في حياتهما بالمعروف وهو البر والإِحسان وكف الأذى والطاعة في غير معصية الله.
{من أناب إليَّ}: أي رجع إليَّ بتوحيدي وطاعتي وطاعة رسولي محمد صلى الله عليه وسلم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين وهذه القصة اللقمانية اللطيفة مشوقة لذلك قال تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحمكة} أي أعطينا عبدنا لقمان الحكمة وهي الفقه في الدين والإِصابة في الأمور وراسها مخافة الله تعالى بذكره وشكره الذي هو طاعته في عبادته وتوحيده فيها. وقوله: {أن اشكر لله} أي وقلنا له اشكر الله خالقك ما أنعم به عليك بصرف تلك النعم فيما يرضيه عنك ولا يسخطه عليك. وقوله تعالى: {ومن يشكر فإِنما يشكر لنفسه} أي ومنشكر الله بطاعته فإِن ثمرة الشكر وعائدته للشاكر نفسه بحفظ النعمة والزيادة فيها أما الله فإِنه غني بذاته محمود بفعاله فلا يفتقر إلى خلقه في شيء إذ هم الفقراء إليه سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: {وإذ قال لقمان} أي واذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين قول لقمان لابنه وأخص الناس به وهو ينهاه عن الشرك الذي نهيتكم أنا عنه فغضبتم واصررتم عليه عناداً ومكابره فقال له: بما أخبر به تعالى عنه في قوله: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه} أي يأمره وينهاه مرغباً له في الخير مرهباً له من الشر: {يا بنيَّ لا تشرك بالله} أي في عبادته أحداً. وعلل لنهيه ليكون أوقع في نفسه فقال: {إن الشرك لظلم عظيم} والظلم وضع الشيء في غير موضعه ويترتب عليه الفساد والخسران الكبير، وعبادة غير الله وضع لها في غير موضعها إذ العبادة حق الله على عباده مقابل خلقهم ورزقهم وكلاءتهم في حياتهم وحفظهم وقوله تعالى: {ووصينا الإِنسان بوالديه} أي عهدنا إلى الإِنسان آمرين أياه ببرِّ والديه أي أمه وأبيه، وبرُّهما بذل المعروف لهما وكف الأذى عنهما وطاعتهما في المعروف، وقوله تعالى: {حملته} أي الإِنسان أمه أي والدته {وهنا على وهن} أي ضعفا على ضعف وشدة على أخرى وهي آلام وأتعاب الحمل والطلق والولادة والإِرضاع فلهذا تأكدَّ برُّهما فوق برِّ الوالد مرتين لحديث الصحيح:
«من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك» وقوله: {وفصاله في عامين} أي فطام الولد من الرضاع في عامين فأول الرضاع ساعة الولادة وآخره تمام الحولين ويجوز فصله عن الرضاع خلال العامين، وقوله: {أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير} هذا الموصى به وهو أن يشكر لله تعالى وذلك بطاعته تعالى فيما يأمره به وينهاه عنه، وذكره بقلبه ولسانه وقوله: {ولوالديك} إذ هما قدما معروفا وجميلا فوجب شكرهما، وذلك ببرِّهما وصلتهما وطاعتهما في غير معصية الله ورسوله، لأن طاعة الله كشكره قبل طاعة الوالدين وشكرهما وقوله: {إلي المصير} أي الرجوع بعد الموت وهذه الجملة مؤكدة لواجب شكر الله تعالى وبر الوالدين لما تحمله من الترغيب والترهيب فالمطيع إذا رجع غلى الله أكرمه والعاصي أهانه. وما دام الرجوع إليه تعالى حتميّا فطاعته بشكره وشكر الوالدين متأكدة متعيّنة. وقوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} أي وإن جاهداك أيها الإِنسان والداك وبذلا جهدهما في حملك على ن تشرك بي ما ليس لك به علم وهو عامة الشركاء إذ ما هناك من يصح إشراكه في عبادة الله قط. فلا تطعهما في ذلك ابداً، {وصاحبهما في الدنيا} أي في الحياة بالمعروف وهو برهما وصلتهما وطاعتهما في غير معصية الله تعالى ورسوله، وقوله: {واتبع سبيل من أناب إليَّ} أي اتبع طريق من أناب إليَّ بتوحيدي وعبادتي والدعوة إليّ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم والآية نزلت في سعد ابن أبي وقاص حيث أمرته أمه أن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ودينه وذلك قبل إسلامها وبذلت جهداً كبيراً في مراودة ابنها سعد رضي الله عنهما وقوله: {إليَّ مرجعكم} أي جميعاً فأنبكم بما كنتم تعملون وأجيزكم بعملكم الخير بالخير والشر بالشر فاتقوني بطاعتي وتوحيدي والإِنابة إليّ في كل أموركم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك.
2- بيان الحكمة وهي شكر الله تعالى بطاعته وذكره إذ لا يشكر إلا عاقل فقيه.
3- مشروعية الوعظ والإِرشاد للكبير والصغير والقريب والبعيد.
4- التهويل في شأن الشرك وإنه لظلم عظيم.
5- بيان مدة الرضاع وهي في خلال العامين لا تزيد.
6- وجوب بر الوالدين وصلتهما.
7- تقرير مبدأ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بعدم طاعة الوالدين في غير المعروف.
8- وجوب اتباع سبيل المؤمنين من أهل السنة والجماعة وحرمة اتباع سبيل أهل البدع والضلالة.

.تفسير الآيات (16- 19):

{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)}

.شرح الكلمات:

{إنها إن تك مثقال حبة}: أي توجد زنة حبة من خردل.
{فتكن في صخرة}: أي في داخل صخرة من الصخور لا يعلمها أحد.
{فتكن في صخرة}: أي لطيف باستخراج الحبة خبير بموضعها حيث كانت.
{وأمر بالمعروف وانه عن المنكر}: أي مُر الناس بطاعة الله تعالى، وانههم عن معصيته.
{من عزم الأمور}: أي مما أمر الله به عزماً لا رخصة فيه.
{ولا تصّعر خدك للناس}: أي ولا تُعرض بوجهك عمن تكلمه تكبراً.
{مرحا}: أي مختالا تمشي خيلاء.
{مختال فخور}: أي متبختر فخور كثير الفخر مما أعطاه الله ولا يشكر.
{واقصد في مشيك}: أي إتَّئد ولا تعجل في مشيتك ولا تستكبر.
{واغضض من صوتك}: أي اخفض من صوتك وهو الاقتصاد في الصوت.
{إن أنكر الأصوات}: أي أقبح الأصوات واشدها نكارة عند الناس لأن أوله زفير وآخره شهيق.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصص لقمان عليه السلام فقال تعالى مخبراً عن لقمان بقوله لابنه ثاران {يا بني إنها إن تك مثقال حبّة من خردل} أي إن تك زنة حبة من خردل من خير أو شر من حسنة أو سيئة {فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله} ويحاسب عليها ويجزي بها، {إن الله لطيف} أي باستخراجها {خبير} بموضعها وعليه فاعمل الصالحات واجتنب السَّيئات وثق في جزاء الله العادل الرحيم هذا ما دلت عليه الآية الأولى (16) أما الآية الثانية (17) فقد تضّمنت أمر ولدِه باقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في ذلك فقال له ما أخبر تعالى به عنه في قوله: {يا بني اقم الصلاة} أي أدها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، {وأمر بالمعروف} أي بطاعة الله تعالى فيما أوجب على عباده {وانه عن المنكر} أي عما حرم الله تعالى على عباده من اعتقاد أو قول أو عمل. {واصبر على ما أصابك} من أذى ممن تأمرهم وتنهاهم، وقوله: {إن ذلك من عزم الأمور} أي إن اقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في ذات الله من الأمور الواجبة التي هي عزائم وليست برخص. وقوله تعالى: {ولا تصعِّر خدك للناس} هذا مما قاله لقمان لابنه نهاه فيه عن خصال ذميمة محرمة وهي التكبر على الناس بأن يخاطبهم وهو معرض عنهم بوجهه لا وعنقه، وهي مشية المرح والاختيال والتبختر، والفخر بالنعم مع عدم شكرها وقوله تعالى: {إن الله لا يحب كل مختال فخور} هذا مما قاله لقمان لابنه لما نهاه عن التكبر والاختيال والفخر أخبره أن الله تعالى لا يحب من هذه حاله حتى يتجنبها ولده الذي يعظه بها وبغيرها وقوله في الآية (19): {واقصد في مشيك} أي إمش متَّئداً في غير عجلة ولا إسراع إذ الاقتصاد ضد الإِسراف.
وقوله: {واغضض من صوتك} أمره أن يقتصد في صوته أيضا فلا يرفع صوته إلا بقدر الحاجة. كالمقتصد لا يُخرج درهمه إلا عند الحاجة وبقدرها وقوله: {إن أنكر الأصوات كصوت الحمير} ذكر هذه الجملة لينفره من رفع صوته بغير حاجة فذكر له أنَّ أقبح الأصوات صوت الحمير لأنه عال مرتفع وأوله زفير وآخره شهيق. هذا آخر ما قص تعالى من نبأ لقمان العبد الصالح عليه السلام.

.من هداية الآيات:

1- وجوب مراقبة الله تعالى وعدم الاستخفاف بالحسنة والسيئة مهما قلت وصغرت.
2- وجوب إقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يلحق الآمر والناهي من أذى.
3- حرمة التكبر والاختيال في المشي ووجوب القصد في المشي والصوت فلا يسرع ولا يرفع صوته إلا على قدر الحاجة.

.تفسير الآيات (20- 21):

{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)}

.شرح الكلمات:

{ألم تروا}: أي الم تعلموا أيُّها الناس.
{سخر لكم ما في السموات}: أي من شمس وقمر وكواكب ورياح وأمطار لمنافعكم.
{وما في الأرض}: أي من أشجار وأنهار وجبال وبحار وغيرها.
{وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة}: أي أوسع وأتمّ عليكم نعمه ظاهرة وهي الصحة وكمال الخلق وتسوية الأعضاء.
{وباطنة}: أي المعرفة والعقل.
{من يجادل في الله}: أي يخاصم في توحيد الله منكراً له مكذباً به.
{بغير علم}: أي بدون علم عنده من وحي ولا هو مستفاد من دليل عقلي.
{ولا هدى ولا كتاب منير}: أي سنة من سنن الرسل، ولا كتاب إلهي منير واضح بيّن.
{أو لو كان الشيطان}: أي ايتبعونهم ولو كان الشيطان يدعو آباءهم إلى موجب عذاب السعير من الشرك والمعاصي.

.معنى الآيات:

عاد السياق بعد نهاية قصة لقمان غلى خطاب المشركين لهدايتهم فقال تعالى: {الم تروا} أيها الناس الكافرون بالله وقدرته ورحمته أي الم تعلموا بمشاهدتكم {أن الله سخر لكم} أي من أجلكم {ما في السموات} من شمس وقمر وكواكب ومطر، وسخر لكم ما في الأرض من أشجار وأنهار وجبال ووهاد وبحار وشتَّى الحيوانات ومختلف المعادن كل ذلك لمنافعكم في مطاعمكم ومشاربكم وكل شؤون حياتكم، {وأسبغ عليكم نعمه} أي أوسعها وأتمها نعم الإِيجاز ونعم الإِمداد حال كونها ظاهرة كحسن الصورة وتناسب الأعضاء وكمال الخلق، وباطنة كالعقل والإِدراك والعلم والمعرفة وغير ذلك مما لا يحصى ولا يعدن وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، ومع هذا البيان والإِنعام والاستدلال على الخالق بالخلق وعلى المنعم بالنعم فإِن ناساً يجادلون في توحيد الله واسمائه وصفاته ووجوب طاعتهت وطاعة رسوله بغير علم من وحي ولا استدلال من عقل، ولا كتاب منير واضح بين يحتجون به ويجادلون بأدلته.
وقوله تعالى: {وإذا قيل} أي لأولئك المجادلين في الله بالجهل والباطل {اتبعوا ما أنزل الله} أي على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من هدًى، قالوا لا، بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا من عقائد وثنيّة وتقاليد جاهلية، قال تعالى: {أو لو كان الشيطان يدعوهم} أي أيتَّبعون آباءهم ولو كان الشيطان يدعو آباءهم {إلى عذاب السعير} أي النار المستعرة الملتهبة والجواب لا، ولكن اتبعوهم فسوف يردون معهم النار وبئس الورد المورود.

.من هداية الآيات:

1- تعيين الاستدلال بالخلق على الخالق وبالنعمة على المنعم.
2- وجوب ذكر النعم وشكرها لله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- حرمة الجدال بالجهل ودون علم.
4- حرمة التقليد في الباطل والشر والفساد كتقليد بعض المسلمين اليوم للكفار في عاداتهم وأخلاقهم ومظاهر حياتهم.

.تفسير الآيات (22- 26):

{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)}

.شرح الكلمات:

{ومن يسلم وجهه إلى الله}: أي أقبل على طاعته مخلصاً له العبادة لا يلتفت إلى غيره من سائر خلقه.
{وهو محسن}: أي والحال انه محسن في طاعته اخلاصاً واتباعاً.
{فقد استمسك بالعروة الوثقى}: أي تعلّق بأوثق ما يتعلق به فلا يخاف انقطاعه بحال.
{وإلى الله عاقبة الأمور}: أي مرجع كل الأمور إلى الله سبحانه وتعالى.
{نمتعهم قليلاً}: أي متاعاً في هذه الدنيا قليلا أي إلى نهاية آجالهم.
{ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ}: أي ثم نُلجئهم في الآخرة إلى عذاب النار والغليظ: الثقيل.
{قل الحمد لله}: أي إحمد الله على ظهور الحجة بأن تقول الحمد لله.
{لا يعلمون}: أي من يستحق الحمد والشكر ومن لا يستحق لجهلهم.

.معنى الآيات:

بعد إقامة الحجة على المشركين في عبادتهم غير الله وتقليدهم لآبائهم في الشرك والشر والفساد قال تعالى مرغباً في النجاة داعياً إلى الإِصلاح: {ومن يُسلم وجهه إلى الله} أي يقبل بوجهه وقلبه على ربه يعبده مُتذللاً له خاضعاً لأمره ونهيه. {وهو محسن} أي والحال أنه محسن في عبادته اخلاصا فيها لله، واتباعا في أدائها لرسول الله {فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي قد أخذ بالطرف الأوثق فلا يخاف انقطاعاً ابداً وقوله تعالى: {وإلى الله عاقبة الأمور} يخبر تعالى أن مَردَّ الأمور كلها لله تعالى يقضي فيها بما يشاء فليفوِّض العبد أموره كلها لله إذ هي عائدة إليه فيتخذ بذلك له يداً عند ربه، وقوله لرسوله: {ومن كفر فلا يحزنك كفره} أي اسلم وجهك لربك وفوض أمرك إليه متوكلا عليه ومن كفر من الناس فلا يحزنك كفره أي فلا تكترث به ولا تحزن عليه {إلينا مرجعهم} أي فإِن مردهم إلينا بعد موتهم ونشورهم {فننبئهم بما عملوا} في هذا الدار من سوء وشر ونجزيهم به. {إن الله عليم بذات الصدور} أي بما تكنه وتخفيه من اعتقادات ونيّات وبذلك يكون الحساب دقيقاً والجزاء عاجلاً. وقوله تعالى: {نمتعهم قليلاً} أي نمهل هؤلاء المشركين فلا نعاجلهم بالعقوبة فيتمتعون مدة آجالهم وهو متاع قليل {ثم نضطرهم} بعد موتهم ونشرهم {إلى عذاب غليظ} أي نلجئهم إلجاءً غلى عذاب غليظ ثقيل لا يحتمل ولا يطاق وهو عذاب النار. نعوذ بالله منها ومن كل عمل يؤدي إليها وقوله تعالى في الآية (25): {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين قائلا لهم: من خلق السموات والأرض لبادروك بالجواب قائلين الله إذاً قل الحمد لله على إقامة الحجة عليكم باعترافكم، وما دام الله هو الخالق الرازق كيف يعبد غيره أو يعبد معه سواه أين عقول القوم؟ وقوله: {بل أكثرهم لا يعلمون} أي لا يعلمون موجب الحمد ولا مقتضاه، ولا منيستحق الحمد ومن لا يستحقه لأنهم جهلة لا يعلمون شيئاً.
وقوله تعالى: {لله ما في السموات والأرض} أي خلقا وملكا وعبيدا ولذا فهو غني عن المشركين وعبادتهم فلا تحزن عليهم ولا تبال بهم عبدوا أو لم يعبدوا {إن الله هو الغني} عن كل ما سواه {الحميد} أي المحمود بعظيم فعله وجميل صنعه.

.من هداية الآيات:

1- بيان نجاة أهل لا إله إلا الله وهم الذين عبدوا الله وحده بما شرع لهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
3- بيان أن المشركين من العرب موحدون في الربوبيّة مشركون في العبادة كما هي حال كثير من الناس اليوم يعتقدون أن الله ربّ كل شيء ولا ربَّ سواه ويذبحون وينذرون ويحلفون بغيره، ويخافون غيره ويرهبون سواه. والعياذ بالله.

.تفسير الآيات (27- 28):

{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)}

.شرح الكلمات:

{ولو أن ما في الأرض}: أي من شجرة.
{أقلام}: أي يكتب بها.
{والبحر}: أي المحيط.
{يمده سبعة أبحر}: أي تمده.
{ما نفدت كلمات الله}: أي ما انتهت ولا نقصت.
{إن الله عزيز حكيم}: أي عزيز في انتقامه غالب على ما أراده حكيم في تدبير خلقه.
{ما خلقكم ولا بعثكم}: أي ما خلقكم ابتداء ولا بعثكم من قبوركم إعادة لكم إلا كخلق وبعث نفس واحدة.

.معنى الآيتين:

قوله تعالى: {ولو أَن ما في الأرض من شجرة أقلام} أي لو أن شجر الأرض كله قطعت أغصانه شجرة شجرة حتى لم تبق شجرة ويُريت أقلاماً، والبحر المحيط صار مداداً ومن ورائه سبعة أبحر أخرى تحولت إلى مداد وتُمد البحر الأول وكُتب بتلك الأقلام وذلك المداد كلمات الله لنفد البحر والأقلام ولم تنفد كلمات الله، وذلك لأن الأقلام والبحر متناهية، وكلمات الله غير متناهية فعلم الله وكلامه كذاته وصفاته لا تتناهى بحال، نزلت هذه الآية رداً على اليهود لما قيل لهم {وما أُتيتم من العلم إلا قليلا} قالوا وكيف هذا وقد أُوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء. كما نزل رداً على أُبي بن خلف قوله تعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} إذ قال للنبي صلى الله عليه وسلم كيف يخلقنا الله خلقا جديدا في يوم واحد ليحاسبنا ويجزينا، ونحن خلقنا اطواراً وفي قرون عديدة فأنزل تعالى قوله: {ما خلقكم ولا بعثكم} إلا كخلق وبعث نفس واحدة {إن الله سميع بصير} فكما يسمع المخلوقات ولا يشغله صوت عن صوت، ويُبصرهم ولا تحجبه ذات كذلك هو يبعثهم في وقت واحد ولو اراد خلقهم جملة واحدة لخلقهم لأنه يقول للشيء كن فيكون.

.من هداية الآيتين:

1- بيان سعة علم الله تعالى وأنه تعالى متكلم وكلماته لا تنفد بحال من الأحوال.
2- بيان أن ما أوتيه الإِنسان من علوم ومعارف ما هو بشيء إلى علم الله تعالى.
3- بيان قدرة الله تعالى وانها لا تحد ولا يعجزها شيء.
4- إثبات صفات الله كالعزة والحكمة والسمع والبصر.

.تفسير الآيات (29- 32):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}

.شرح الكلمات:

{ألم تر}: أي ألم تعلم أيها المخاطب.
{ان الله يولج الليل في النهار}: أي يدخل جزءاً منه في النهار، ويدخل جزءاً من النهار في الليل بحسب الفصول.
{وسخر الشمس والقمر}: يسبحان في فلكيهما الدهر كله لا تكلان إلى يوم القيامة وهو الأجل المسمى لهما.
{ذلك بأن الله هو الحق}: أي ذلك المذكور من الإيلاج والتسخير بسبب أن الله هو الإِله الحق.
{وأن ما يدعون من دونه الباطل}: أي وأن ما يدعون من دونه من آلهة هي الباطل.
{بنعمت الله}: أي بإِفضاله على العباد وإحسانه إليهم حيث هيأ اسباب جريها.
{لكل صبار شكور}: أي صبار عن المعاصي شكور للنّعم.
{وإذا غشيهم موج}: أي علاهم وغطاهم من فوقهم.
{كالظلل}: أي كالجبال التي تظلل من تحتها.
{فمنهم مقتصد}: أي بين الكفر والإِيمان بمعنى معتدل في ذلك ما آمن ولا كفر.
{كل ختار كفور}: أي غدار كفور لنعم الله تعالى.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال الشرك والكفر قال تعالى: {ألم تر} أي الم تعلم أيها النبي أن الله ذا الألوهية على غيره {يولج الليل في النهار} بإِدخال جزء منه في النهار {ويولج النهار في الليل} بإِدخال جزء منه في الليل وذلك بحسب الفصول السَّنوية {وسخر الشمس والقمر} يسبحان في فلكيهما لمنافع الناس إلى أجل مسمى أي إلى وقت محدد معين عنده سبحانه وتعالى وهو يوم القيامة، وأن الله تعالى بما تعملون خبير، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم صالحها وفاسدها وسيجزيكم بها وقوله: {ذلك بأن الله هو الحق} أي ذلك الإِيلاج لليل في النهار والنهار في الليل وتسخير الشمس والقمر، وعلم الله تعالى بأعمال العباد ومجازاتهم عليها قاطع لكل شك بأن الله هو إله الحق، وأن ما يدعون من دونه من أوثان هو الباطل، وقاطع بأن الله تعالى ذا الألوهية الحقة هو العلي الكبير أي ذو العلو المطلق الكبير الذي ليس شيء أكبر منه إذ هو ربّ كل شيء ومالكه والقاهر له والمتحكم فيه لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقوله تعالى: {ألم تر} يا محمد {أن الفلك} أي السفن {تجري في البحر بنعمت الله} تعالى على خلقه حيث يسَّر لها أسباب سيرها وجريها في البحر وهي تحمل السلع والبضائع والأقوات من إقليم إلى إقليم وهي نعم كثيرة. سخر ذلك لكم ليريكم من آياته الدالة على ربوبيته وألوهيته وهي كثيرة تتجلى في كل جزء من هذا الكون. وقوله: {إن في ذلك لآيات} أي علامات ودلائل على قدرة الله ورحمته وهي موجبات عبادته وتوحيده فيها، وقوله: {لكل صبار شكور} أي فيها عِبَرٌ لكل عبد صبور على الطاعات صبور عن المعاصي صبور عما تجرى به الأقدار شكور لنعم الله تعالى جليلها وصغيرها أما غير الصبور الشكور فإِنه لا يجد فيها عبرة ولا عظة.
وقوله تعالى: {وإذا غشيهم موج كالظلل} أي إذا غشي المشركين موج وهم على ظهر السفينة فخافوا {دعوا الله مخلصين له الدين} أي دعوا الله وحده ولم يذكروا آلهتهم.
فلما نجاهم بفضله {إلى البر} فلم يغرقوا {فمنهم مقتصد} أي في غيمانه وكفره لا يُغالي في كفره ولا يعلن عن إيمانه. وقوله: {وما يجحد بآياتنا} القرآنية والكونية وهي مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لألوهيته {إلا كل ختار} أي غدار بالعهود {كفور} للنعم لا خير فيه البتَّة والعياذ بالله تعالى من أهل الغدر والكفر.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد وإبطال الشرك بذكر الأدلة المستفادة من مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته.
2- فضيلة الصبر والشكر والجمع بينهما خير من افتراقهما.
3- بيان أن المشركين أيام نزول القرآن كانوا يوحدون في الشدة ويشركون في الرخاء.
4- شر الناس الختار أي الغدار الكفور.
5- ذم الختر وهو أسوأ الغدر وذم الكفر بالنعم الإِلهية.